كشفت دراسة حديثة صادرة عن “معهد الحوار الاستراتيجي” (ISD) عن انتشار واسع لمحتوى دعائي موالٍ للكرملين عبر مئات المواقع الإلكترونية الناطقة بالإنجليزية، بما في ذلك وسائل إعلامية بارزة، ومدونات هامشية، ومؤسسات أكاديمية، ومواقع تحقق من الأخبار. الدراسة، التي غطت الفترة من يوليو 2024 إلى يوليو 2025، رصدت أكثر من 900 موقع إلكتروني قامت بربط محتواها بمقالات صادرة عن شبكة “برافدا” (Pravda)، وهي شبكة إعلامية مرتبطة بروسيا، متهمة بنشر معلومات مضللة على نطاق واسع.
شبكة “برافدا”: ماكينة دعاية رقمية منذ 2014
تُعد شبكة “برافدا” أحد أبرز أذرع الدعاية الرقمية الموالية للكرملين، حيث تنشط منذ عام 2014، وقد نشرت حتى الآن أكثر من 6 ملايين مقال. وتعتمد الشبكة على استراتيجية “الإغراق بالمحتوى”، حيث تُنتج كميات هائلة من المقالات التي تُروّج لروايات مؤيدة لروسيا، وتُعيد نشرها عبر مواقع متعددة، ما يمنحها شرعية زائفة ويُصعّب على القارئ العادي التمييز بين الحقيقة والدعاية.
تأثير على الذكاء الاصطناعي: “ترويض النماذج اللغوية”
أحد أخطر ما كشفته الدراسة هو استخدام الشبكة لما يُعرف بـ”ترويض النماذج اللغوية” (LLM grooming)، وهي عملية تهدف إلى التأثير على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وGemini من خلال ضخ محتوى موجه بكثافة على الإنترنت. وبما أن هذه النماذج تعتمد على بيانات الإنترنت في تدريبها، فإن تكرار المحتوى المضلل قد يؤدي إلى ترسيخ روايات منحازة داخل هذه الأنظمة، ما يهدد حياديتها ويُعرض المستخدمين لمعلومات مشوهة دون علمهم.
مواقع بارزة ضمن العينة: من الإعلام إلى الأكاديميا
من بين أكثر من 300 موقع تمت مراجعتها ضمن العينة، تضمّنت الدراسة مواقع إخبارية وطنية ومحلية في الولايات المتحدة، ومنصات تحليل سياسي معروفة، بالإضافة إلى مؤسسات تحقق من الأخبار وأخرى أكاديمية. هذا التنوع في مصادر الروابط يعكس مدى تغلغل شبكة “برافدا” في الفضاء الإعلامي الرقمي، ويثير تساؤلات حول آليات التحقق من المصادر لدى هذه الجهات، ومدى وعيها بخطورة إعادة نشر محتوى قد يكون مضللًا أو موجّهًا.
تحديات أمام مكافحة التضليل الرقمي
تسلّط هذه النتائج الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها المجتمعات الديمقراطية في عصر المعلومات المفتوحة. فبينما يُفترض أن تكون حرية التعبير ركيزة أساسية، فإن استغلالها لنشر دعاية ممنهجة يُهدد بتقويض الثقة في الإعلام والمؤسسات. وتدعو الدراسة إلى تعزيز أدوات التحقق من المصادر، وتطوير آليات لرصد الشبكات الدعائية، وتحديث نماذج الذكاء الاصطناعي لتكون أكثر قدرة على التمييز بين المحتوى الموثوق والمضلل.






























