بيانات اعتماد المؤسسات في خطر.. القصة ذاتها تتكرر

تخيّل هذا المشهد: تتلقى سارة من قسم المحاسبة رسالة بريد إلكتروني تبدو عادية من مزوّد الخدمة السحابية لشركتها، تطلب منها إعادة تعيين كلمة المرور. تضغط على الرابط، تُدخل بيانات الدخول، وتعود إلى عملها. لكن ما لا تعرفه سارة هو أنها وقعت ضحية عملية تصيّد محكمة، قدّمت فيها بيانات اعتمادها لمجرمين سيبرانيين، سيبيعونها في أسواق الإنترنت المظلم مقابل نحو 15 دولارًا فقط. مبلغ زهيد لوحده، لكنه يتحول إلى تجارة مربحة عند تكراره على نطاق واسع.

دورة حياة اختراق بيانات الاعتماد

تبدأ السلسلة حين ينشئ الموظفون حسابات متعددة لتطبيقات الأعمال المختلفة، ولكل منها بيانات دخول خاصة. لكن بسبب صعوبة حفظ عشرات كلمات المرور، يلجأ كثيرون إلى إعادة استخدام كلمات المرور أو إدخال تغييرات طفيفة عليها.
بعد ذلك، يحصل المهاجمون على هذه البيانات بوسائل شتى: التصيّد الإلكتروني، والهجمات العنيفة (Brute Force)، وتسريبات الأطراف الثالثة، أو مفاتيح واجهات برمجة التطبيقات المكشوفة. وغالبًا لا يلاحظ أحد ما حدث.
تُباع البيانات المسروقة لاحقًا في أسواق الجريمة الإلكترونية، حيث تُجمّع وتُعاد بيعها لمن يدفع أكثر. ثم تُوزّع على شبكات المهاجمين، فتباشر الروبوتات باختبارها على مئات التطبيقات، فيما يركّز القراصنة المحترفون على الأهداف ذات القيمة العالية.
وبمجرد نجاح عملية تسجيل الدخول، يبدأ الاستغلال الحقيقي: سرقة البيانات، تنفيذ الفدية، أو الوصول إلى الأنظمة الحساسة، في وقت قد تكون فيه المؤسسة غافلة لأيام أو أسابيع.

أبرز أساليب الاختراق

يمتلك المهاجمون ترسانة متنوعة من الأساليب لاختراق بيانات اعتماد الشركات، من أبرزها:

  • التصيّد الإلكتروني: رسائل مزيفة تحاكي الشكل الرسمي للشركات، تحمل شعارات حقيقية ونصوصًا مقنعة تخدع حتى الموظفين المدربين على الوعي الأمني.

  • تعبئة بيانات الاعتماد (Credential Stuffing): استخدام كلمات مرور مسرّبة من اختراقات سابقة لاختبارها على حسابات أخرى. نجاح بسيط بنسبة 0.1% يتحول إلى اختراق واسع عند اختبار ملايين البيانات في الساعة.

  • اختراقات الأطراف الثالثة: حتى لو كانت شركتك محصّنة، فإن اختراقًا لموقع مثل “لينكدإن” يجعل بيانات موظفيك وسيلة لولوج أنظمتك.

  • مفاتيح API المكشوفة: غالبًا ما ينشر المطوّرون عن غير قصد مفاتيح الدخول في مستودعات GitHub أو ملفات الإعداد، لتلتقطها بوتات آلية خلال دقائق.

منظومة الجريمة المنظمة

يشبه اقتصاد بيانات الاعتماد المسروقة عصابات سرقة السيارات؛ فهناك من يسرق، ومن يفكك، ومن يبيع.

  • المحتالون الانتهازيون يبحثون عن مكاسب سريعة: تحويلات مالية، عمليات شراء احتيالية، أو سرقة محافظ العملات المشفرة.

  • البوتات الآلية تُجري اختبارات ضخمة على ملايين البيانات دون توقف، هدفها الكم لا الدقة.

  • الأسواق السوداء تعمل كمنصات تجارة إلكترونية للجريمة، تسهّل البحث وشراء بيانات الشركات المسروقة.

  • الجماعات الإجرامية المنظمة تتعامل مع بيانات الاعتماد كسلاح استراتيجي، تحتفظ بالوصول لشهور لتخطيط هجمات ضخمة مثل الفدية أو سرقة الملكية الفكرية.

التأثيرات الواقعية

بمجرد حصول المهاجمين على بيانات اعتماد فعّالة، يبدأ الضرر سريعًا:

  • الاستيلاء على الحسابات والوصول إلى البريد والبيانات الداخلية.

  • التحرك الجانبي داخل الشبكة للسيطرة على مزيد من الحسابات.

  • سرقة البيانات الحساسة كالسجلات المالية وبيانات العملاء.

  • إساءة استخدام الموارد السحابية في التعدين الخبيث للعملات أو إرسال البريد المزعج.

  • نشر برمجيات الفدية لتشفير الأنظمة والمطالبة بمدفوعات ضخمة.

ولا يتوقف الأمر عند الأضرار التقنية؛ فهناك غرامات تنظيمية، ودعاوى قضائية، وتكاليف استعادة باهظة، إضافة إلى ضرر السمعة الذي قد لا يُصلح لسنوات.

كيف تتصرف الآن؟

الواقع أن بعض بيانات اعتماد شركتك قد تكون مسرّبة بالفعل. وكلما طال وجودها دون اكتشاف، زاد الخطر.
ينبغي البحث عن بياناتك المسربة قبل أن يستخدمها المهاجمون. على سبيل المثال، يقدم موقع Outpost24 أداة مجانية باسم Credential Checker، تمكّنك من معرفة مدى ظهور نطاق شركتك في قواعد بيانات التسريبات أو الأسواق السوداء دون كشف التفاصيل الفردية. إنها خطوة استباقية لمعرفة حجم المخاطر التي تواجهها مؤسستك.

محمد طاهر
محمد طاهر
المقالات: 981

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.